Logo

فضل شاكر… بين الفن والذاكرة والعدالة

July 11, 2025, 10:49 a.m.

فؤاد كيالي     مقالات     خاص



كعادة المجتمع اللبناني، ينشغل الرأي العام أحيانًا بقضايا آنية يتناساها الزمن سريعًا، بينما تُهمَّش القضايا الأعمق التي تستحق التأمل والمراجعة. وفي خضم الأزمات السياسية والاقتصادية التي تثقل كاهل البلاد، يعود اسم فضل شاكر إلى الواجهة، لا من بوابة القضاء فقط، بل من باب الفن الذي لم يغادره رغم كل ما جرى.
فضل شاكر، الاسم الذي لمع في سماء الأغنية العربية بات اليوم حالة جدلية معقّدة تتجاوز حدود الفن إلى دوائر الأخلاق والسياسة والقانون. فالجمهور اللبناني والعربي لم يعد يتحدث فقط عن صوته الدافئ وإحساسه العالي، بل عن ماضيه الغامض، ومواقفه خلال مرحلة سياسية حرجة، ثم عن انسحابه من المشهد العام، فعودته المترددة إلى الساحة الفنية من خلف جدران اللجوء.
الفنان، بطبعه، كائن حساس يتأثر ويتألم، يُخطئ ويصيب. وفضل شاكر لم يكن يومًا فنانًا عابرًا بل كان صوته تعبيرًا عن وجدان شعبي، وحضوره محاطًا بحب جمهور عربي واسع من المحيط إلى الخليج. لكن هذا الحب تخلخل حين دخلت السياسة على الخط، وتحول الفنان من رمز للرومانسية إلى شخصية مثيرة للريبة والانقسام.
يرى البعض أن فضل أساء إلى نفسه أكثر مما أساء إلى غيره، حين قرر، في لحظة ما، خوض مغامرة كان ثمنها العزلة والابتعاد وربما الندم. لكنه في المقابل، لم ينفصل يومًا عن شغفه بالغناء، فعاد بأغانٍ جديدة من داخل مكان لجوئه، وكأن الفن بالنسبة له نافذته الوحيدة إلى الحياة.
انقسم الرأي العام كعادته ،من يدافع عن “الفنان” ويطالب بفصله عن “الشخص”، ومن يعتبر أن الفن لا يغفر ما يعتبرونه انحرافًا أخلاقيًا أو سياسيًا. البعض يرى أن موهبة فضل لا تموت، وأن الزمن كفيل بإعادة تأهيل صورته، بينما يصر آخرون على أن الغناء لا يجب أن يكون غطاءً للتهرب من المحاسبة.
والمفارقة أن الأغاني الجديدة تلقى رواجًا واستماعًا واسعًا، حتى من قِبل من يعلنون معارضتهم له، مما يكشف عن التناقض العاطفي الذي يعيشه المتلقي العربي،فهو يرفض الشخص ويعشق صوته، يتهمه ويطرب له، يهاجمه في العلن ويستمع له في الخفاء.
العدالة لا بد أن تأخذ مجراها، ولكن لا بد أيضًا من منح الإنسان حق التوضيح والتبرير والتوبة إن وُجدت. فالمجتمع الذي لا يمنح فرصة ثانية لأفراده، هو مجتمع يقتل الأمل، ويؤسس للكراهية الدائمة.
فإذا كانت القوانين تُحاسب، فإن الجمهور يُسامح… أحيانًا. وفضل شاكر، رغم ما مرّ به، لا يزال يبحث عن تلك المساحة الرمادية بين الرفض والقبول، بين الإدانة والغفران، وبين الصوت الذي أحببناه والوجه الذي حامت حوله الشبهات.
في الختام من يُحب فن فضل شاكر فليستمع إليه، ومن له مأخذ عليه فلينتظر كلمة القضاء. أما أن نتحول إلى قضاة في محكمة افتراضية لا تحكمها إلا العواطف، فتلك أزمة أخلاقية لا تقل تعقيدًا عن القضية نفسها.
فضل شاكر ليس مجرد مغنٍ… بل مرآة عاكسة لصراعنا المستمر مع فكرة “الفصل بين الفن والفنان”، وامتحان مفتوح لإرادتنا في الغفران، أو على الأقل، في التوقف عن إطلاق الأحكام من دون وجه حق.

 فؤاد كيالي - كاتب ومخرج اذاعي

Ad Image

أخبار ذات صلة

مقالات

عندما تخرج الموضة عن سياقها "بين الحرية الشخصية والابتذال البصري"

مقالات

في ذكرى رحيله .. "فهمان" الذي أقنعنا بموهبته وخفة ظله

مقالات

"ألبوم الأصالة”… حين ينتصر الحوار للمضمون لا للترند

مقالات

حين يُعاد تقديم الكلاسيكيات… بأسلوب لا يشبهها !!

مقالات

السجون .. بين الواقع والشروع بالاصلاح /المحامي فؤاد مطر

ositcom-web-development-in-lebanon