July 26, 2025, 4:39 p.m.
برحيل زياد الرحباني، يخسر لبنان أحد أبرز وجوهه الفنية، ويخسر الوطن العربي قامةً إبداعية نادرة، طبعت تاريخ الفن بالكلمة الحرة، والموسيقى الخارجة عن المألوف، والموقف الذي لا يعرف المساومة.
زياد ليس مجرد فنان عابر في تاريخ الأغنية والمسرح اللبناني والعربي، بل حالة متكاملة، نادرة، لا تتكرر. هو ابن الأسطورة عاصي الرحباني والسيدة فيروز، لكنه منذ بداياته شق طريقاً خاصاً به، متفرداً بأسلوبه، ومختلفاً عن كل ما هو سائد.
هو الذي كتب، ولحن، ومثّل، وغنّى، وانتقد، وسخر، وبكى الناس وأضحكهم في آنٍ واحد.
هو الذي أدخل السياسة إلى المسرح دون أن يفقده بريق الفن، وجعل من السخرية الهادفة أداة للوعي، وأطلق صرخة الناس العاديين على خشبة المسرح، وجعل منهم أبطالاً يشبهونه ويشبههم.
من منّا لم يشترِ يوماً كاسيتاً لإحدى مسرحياته؟
من منّا لم يحفظ عن ظهر قلب “بالنسبة لبكرا شو”، و”فيلم أميركي طويل”، و”نزل السرور” وغيرها؟
من منّا لم يتأثر بجملته اللاذعة التي تكشف الواقع بلا تجميل، وبموسيقاه التي تمزج الكلاسيكي بالجاز، والشرقي بالغربي، والوجع بالأمل؟
زياد كان وما زال مساحة مشتركة بين كل اللبنانيين، على اختلاف طوائفهم وأفكارهم ومناطقهم.
رجل حر الموقف، لا يسير ضمن الخطوط المحددة، ولا يحتمي بسلطة أو حزب أو مصلحة. صوته ظل دائماً مع الناس، للفقراء، للساخرين من الواقع، للذين فقدوا الثقة بالكلام المنمق، وأرادوا فناناً حقيقياً لا يخدعهم.
وأكثر من ذلك، فإن محبة زياد تجاوزت لبنان، فقد طالما سمعنا فنانين ومثقفين عرب كبار يثنون عليه.
يرون في زياد مدرسة متكاملة للفن والموسيقى المبتكرة.
برحيله، فقدنا جسده، لكننا كسبنا خلوداً في أعماله.
رحل زياد وترك وراءه إرثاً فنياً سيبقى للأجيال القادمة مرجعاً ومدرسةً وتراثاً لا يزول.
نعزي كل لبناني، وكل عربي أحب زياد، وتربّى على أعماله، وعاش لحظات عمره على أنغامه وكلماته.
ونخص بالعزاء عائلة الرحباني الكبيرة، ونقف إلى جانب الأم الحزينة اليوم… السيدة فيروز، التي ودّعت ابناً وشريكاً وصوتاً لطالما رافقها ورافقنا.
رحم الله زياد الرحباني، وطيب الله ثراه.
سيبقى حياً فينا… في كل مسرحية نسمعها، في كل لحن نحفظه، وفي كل فكرة حرة ألهمنا بها.
فؤاد كيالي-كاتب ومخرج اذاعي