Logo

عندما تخرج الموضة عن سياقها "بين الحرية الشخصية والابتذال البصري"

July 29, 2025, 12:09 p.m.

فؤاد كيالي     مقالات     خاص



في عالم الفن، تشكّل الإطلالة جزءاً لا يتجزأ من هوية الفنان. فهي ليست فقط وسيلة للتعبير عن الذات، بل قد تكون جسراً بصرياً يصل الفنان بجمهوره، ويترجم ذوقه وشخصيته قبل أن ينطق بكلمة أو يغني نغمة. إلا أن هذا الجسر يبدو أنه بدأ يتصدع مؤخرًا تحت وطأة “موضات” مبالغ فيها، لا تراعي الذوق العام، ولا تحترم سياق اللحظة، ولا حتى شخصية الفنان نفسه.
فقد لاحظنا في السنوات القليلة الماضية اتجاهاً متصاعداً لدى بعض الفنانين الشباب، سواء في لبنان أو العالم العربي، إلى ارتداء ملابس صادمة، خارجة عن المألوف، بل وغريبة إلى حد يجعل المتلقي يتساءل ما الغاية؟ وما الرسالة؟ هل هي محاولة لافتة للفت الأنظار؟ أم استنساخ لتجارب غربية لا تتناسب مع بيئتنا؟ أم ببساطة بحث عن هوية ضائعة في زحمة المنافسة الفنية؟
يرتدي بعض الفنانين أزياءً أقرب إلى ما تلبسه النساء أو راقصات الاستعراض، يطلّون على المسرح بتصاميم فيها الكثير من المبالغة، يراهنون على “اللوك” أكثر من الصوت، وعلى “الصدمة البصرية” أكثر من المحتوى. وفي الوقت الذي يبحث فيه الجمهور عن لحظة طرب، أو أغنية صادقة، أو عرض فني محترف، يجد نفسه أمام عرض أزياء غريب لا يمتّ للفن بصلة.
إن التميّز الحقيقي لا يُقاس بعدد الريش في الكتف، ولا بلون البدلة، بل بمدى قدرة الفنان على الوصول إلى قلوب الناس، وإقناعهم بفنه، ومخاطبة وجدانهم. هناك فرق بين الإبداع وبين الاستعراض، بين التجديد وبين التشوّه البصري.
لا أحد ينكر أهمية الموضة في حياة الفنان، ولكن حين تتحول إلى أداة استعراضية، وتُستخدم كقناع يُخفي ضعفاً في الأداء أو فقرًا في المحتوى، تصبح عبئًا لا قيمة مضافة. الفن، في جوهره، يجب أن يبقى تعبيرًا صادقًا عن الروح، لا استعراضًا فارغًا على حساب القيم الجمالية والذوق العام.
كما أن استنساخ الإطلالات من فنانين غربيين لا يُبرّر هذه الظاهرة، فالفارق شاسع بين الثقافة الغربية والعربية، وبين تقاليد المسرح الغربي وبين خصوصية المسرح العربي. حتى في الغرب، لا يُنظر إلى كل إطلالة خارجة على أنها إبداع، بل غالباً ما تكون محط جدل وانتقاد، وقد تؤثر سلباً على صورة الفنان في الأوساط المهنية والجماهيرية.
حين يدخل الجمهور قاعة الحفل أو يجلس أمام الشاشة لمتابعة فنانه المفضل، فهو يفعل ذلك من باب الإعجاب أولاً، والتقدير ثانياً. ومن غير المنصف أن يُفاجأ بأزياء صادمة تشعره بالاغتراب عن ذوقه، أو بالاستعلاء عليه. فليس من المعقول أن نرى جمهوراً بملابس بسيطة وعفوية، وفنانًا يرتدي ما لا يتجرأ كثيرون على لبسه حتى في المناسبات التنكرية.
على الفنان أن يدرك أن جمهوره ليس جمهور موضة فقط، بل جمهور ذوق وثقافة وحس جمالي. وأن المبالغة قد تُربكه وتُبعده، بدل أن تدهشه أو تجذبه.
اللباس حرية شخصية نعم، ولكن في العمل العام والفن خصوصًا هناك مسؤولية أكبر من الذات. هناك رسالة. هناك تأثير ،والفنان الذي يختار الظهور بهذا الشكل أو ذاك، عليه أن يسأل نفسه أولاً: هل أنا أُضيف إلى فني، أم أشتّت الانتباه عنه؟ هل ملابسي تعبر عن روحي، أم تحجبها؟ وهل أبدو قريبًا من الناس، أم غريبًا عنهم؟
الفن في النهاية ليس ساحة لاستعراض الأزياء، بل مساحة لملامسة القلوب. والموضة الحقيقية، هي تلك التي تتناسق مع الروح قبل القماش، ومع القيمة قبل القالب.

     فؤاد كيالي-كاتب ومخرج اذاعي

احمد سعد
احمد سعد
محمد رمضان
محمد رمضان
Ad Image

أخبار ذات صلة

مقالات

في ذكرى رحيله .. "فهمان" الذي أقنعنا بموهبته وخفة ظله

مقالات

فضل شاكر… بين الفن والذاكرة والعدالة

مقالات

"ألبوم الأصالة”… حين ينتصر الحوار للمضمون لا للترند

مقالات

حين يُعاد تقديم الكلاسيكيات… بأسلوب لا يشبهها !!

مقالات

السجون .. بين الواقع والشروع بالاصلاح /المحامي فؤاد مطر

ositcom-web-development-in-lebanon